الارتفاع غير المسبوق في عدد المهاجرين الوافدين إلى أوروبا عبر بيلاروسيا يظهر أن الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو يسير على خطى نظيره التركي رجب طيب أردوغان في استخدام ورقة اللاجئين لتصفية حسابات سياسية، كما يرى خبراء.
“لن نوقف أحداً… فالناس في طريقهم من مناطق الحرب إلى أوروبا الدافئة والمريحة … وهناك حاجة للعمالة في ألمانيا”! هكذا هدد الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو أوروبا، وخاصة ألمانيا،
بالسماح بمرور أعداد كبيرة من اللاجئين، وذلك رداً على العقوبات التي فرضتها أوروبا على بلده بسبب الانتخابات المتنازع عليها واعتقال المعارضين والسياسيين.
وأضاف لوكاشينكو الأسبوع الماضي خلال اجتماع حكومي في مينسك أنه سيسمح للاجئين القادمين من دول مثل أفغانستان وسوريا والعراق بالدخول إلى أوروبا، عبر حدود بلاده مع ليتوانيا،
معيداً إلى الأذهان التهديدات المشابهة التي وجهها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لأوروبا في العامين الماضيين، كما يقول الخبير في شؤون الهجرة واللجوء كريم الواسطي.
ويضيف الواسطي في حديث لمهاجر نيوز: “من الواضح أن اللاجئين أصبحوا ورقة تستخدمها دول لا تحترم حرية الإنسان للضغط على أوروبا من أجل تصفية الحسابات السياسيةمعها، كما فعل أردوغان قبل سنة أو سنتين. ونفس هذه الورقة يستخدمها لوكاشينكو وبنفس أسلوب أردوغان”.
وتشترك بيلاروسيا مع ليتوانيا، العضو في الاتحاد الأوروبي والناتو، بحدود طولها 680 كيلومتراً. وقد أعلنت ليتوانيا حالة الطوارئ قبل أسبوعين بعدما تردد أن 150 مهاجراً دخلوا إلى البلاد من بيلاروسيا.
واحتجزت قوات حرس الحدود الليتوانية هذا العام إلى الآن أكثر من 1,500 مهاجر وصلوا من بيلاروسيا، معظمهم من العراق وسوريا وأفغانستان، مقارنة بـ81 مهاجر طيلة سنة 2020.
جدار حدودي
واعتبرت رئيسة وزراء ليتوانيا إنغريدا سيمونيته أن “التدفق المقلق” للمهاجرين يتم بإيحاء “من دوائر في حكومة” بيلاروسيا. واتهم وزير خارجية ليتوانيا، غابريليوس لاندسبيرجيس، بيلاروسيا بـ”استخدام اللاجئين كسلاح ضد الاتحاد الأوروبي”.
وقال إن بيلاروسيا شاركت في “هجوم هجين ضد أوروبا”، مشيراً إلى جلب المهاجرين، عن طريق وكالات سياحية مملوكة لبيلاروسيا من بغداد أو إسطنبول، وإرسالهم إلى الحدود مع ليتوانيا.
وتجد ليتوانيا، التي يبلغ عدد سكانها 2,8 مليون نسمة، صعوبة في استيعاب هذا الارتفاع غير المسبوق في عدد المهاجرين الواصلين إليها،
وقد فشلت إلى الآن في إعادة أي من الوافدين الجدد الى بيلاروسيا. ويقوم الجيش الليتواني حالياً بتوسيع المعسكرات التي أنشئت لاستيعاب المهاجرين.
كما أعلنت ليتوانيا اعتزامها بناء جدار حدودي مع بيلاروسيا لوقف تدفق المهاجرين، وبدأت الأسبوع الماضي في وضع أسلاك شائكة على الحدود لردع المهاجرين.
وقالت وزيرة الداخلية الليتوانية أغني بيلوتيت إن “المرحلة الأولى هي إقامة سياج من الأسلاك الشائكة، وفي المرحلة الثانية سنمضي قدماً ببناء سياج مادي”، كاشفة عن خطط لجدار حدودي بطول 550 كيلومتراً (340 ميلاً).
أوروبا: لا يمكن “ترهيبنا”
من جهته اعتبر رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل أن بيلاروسيا قد يكون لها دور في تدفق المهاجرين المفاجىء إلى ليتوانيا، مؤكداً أن أعضاء الاتحاد الأوروبي ليسوا “ساذجين” ولا يمكن “ترهيبهم”. وقال ميشال خلال زيارة الى بلدة ميدينينكاي على الحدود الليتوانية:
“هناك بالفعل شكوك بوجود دور للنظام البيلاروسي”، وأضاف للصحفيين: “لسنا ساذجين في أوروبا، ولا نخضع للترهيب أيضاً”.
Litauen | Charles Michel und Ingrida Simonyte in Medininkai an der Grenze zu Weißrussland
رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال في زيارة ميدانية لمنطقة ميدينينكاي الحدودية بين ليتوانيا وبيلاروس
لكن الواسطي يرى أن الأوروبيين “جعلوا أنفسهم موضع ابتزاز”، ويضيف: “أصبح الهم الأول والأخير للأوروبيين هو إبعاد اللاجئين بأي ثمن، ولو كان ذلك عبر التفاوض مع دول لا تحترم حقوق الإنسان”، ويتابع: “من يتخلى عن قيمه الأساسية يصبح موضع ابتزاز”.
من جانبه، أعرب رئيس البرلمان الأوروبي ديفيد ساسولي عن “قلقه” بشأن الوضع على الحدود بين ليتوانيا وبيلاروسيا، وقال: “مرة أخرى هناك من يتلاعب بشكل غير مقبول بحياة آخرين”.
وفي ظل التطورات الأخيرة أكدت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل “فرونتكس”أنها ستكثف دعمها لليتوانيا للتعامل مع زيادة عدد المهاجرين الواصلين إليها، متعهدة بنشر المزيد من الدوريات لتأمين حدود ليتوانيا.
وأضافت الوكالة في بيان: “حدود ليتوانيا هي حدودنا الخارجية المشتركة وفرونتكس مستعدة لتقديم المساعدة عند الحاجة”. وتسعى “فرونتكس” إلى رفع عدد حرس الحدود على الحدود البيلاروسية الليتوانية إلى 30 في هذا الشهر.
“سياسة العصا والجزرة”
وفضلاً عن إبعاد المهاجرين من على الحدود، تسعى بروكسل إلى التفاوض مع الدول التي ينحدر منها المهاجرون الواصلون إلى ليتوانيا من أجل إيقاف تدفق المهاجرين منها،
وهذا ما أشار إليه رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، حين قال إنه سيتناول هذه القضية مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
ويعتقد الواسطي أن الاتحاد الأوروبي سيتمكن في النهاية من التوصل إلى حل مع لوكاشينكو لقطع هذا “الطريق الجديد إلى أوروبا”، ويضيف:
“سيجدون طريقة للتعامل معه كما فعلوا مع أردوغان، كما سيستمرون باتباع سياسة العصا والجزرة بالنسبة للدول التي ينحدر منها المهاجرون عبر ربط المساعدات التنموية المقدمة إليها بالتعاون في مسألة الهجرة”.
ويرى الواسطي أن الحل الأفضل لمنع “الابتزاز” الذي تتعرض إليه بروكسل في ملف الهجرة هو توفير بدائل قانونية بنطاق أوسع مثل زيادة معدل إعادة توطين اللاجئين.
المصدر : مهاجر نيوز
تعليقات
إرسال تعليق