سوريا مباشر
على مدى شهر دخلت كل من روسيا من جهة والدول الغربية مع أمريكا من جهة ثانية بصراع في أروقة مجلس الأمن حول سوريا،
تمحور حول الاتفاق على تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا من خلال معابر خارج سيطرة النظام السوري الأمر الذي كانت روسيا ترفضه بشدّة.
إلا أنه وبعد تعديل القرار من قبل الولايات صوّت مجلس الأمن بالإجماع عليه بمن فيهم روسيا بعد إزالة معبر من الخطة والإبقاء على معبر واحد مع مناطق المعارضة متثمل بمعبر باب الهوى،
فعلى ماذا حصلت روسيا حتى مررت القرار ولماذا أشاد بايدن بالقرار الروسي واعتبر أن الأمر يدعو للتفاؤل، وما سر التقارب الأمريكي الروسي في سوريا؟
حول ذلك التقت وكالة ستيب الإخبارية كل من الباحث السياسي وعضو الحزب الديمقراطي الأمريكي، الدكتور مهدي عفيفي، والباحث السياسي الروسي دينيس كوركودينوف.
التقارب الأمريكي الروسي في سوريا
يؤكد الدكتور مهدي عفيفي أن اعتقاد البعض بهذا التقارب غير صحيح، حيث كان هناك تفاهمات وملفات دائمة بين الطرفين وليست كلها خلافية أو فيها اتفاق، وأكبر دليل ما كان يحصل خلاف فترة نشاط القوات الأمريكية بسوريا.
ويقول: اعتاد الكثيرون خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، على نوع مختلف من السياسة بهذا الملف والتي تعتبر مؤقتة لأن المؤسسات لم تكن لتسمح بها على مدى طويل.
وأضاف: ما يحدث الآن هو إعادة تنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا على المستوى السياسي ولا سيما في ملف سوريا حيث تعلم الولايات المتحدة بأنه لن يكون هناك حل سياسي في سوريا بدون روسيا،
وأمريكا تعلم جيداً بأن روسيا تحتاج لمخرج على البحر المتوسط وسوريا هي المنفذ، ولا يعتبر فوز روسيا بجولة من جولات المعركة يعني تقهقر أمريكا،
إلا أنّ السياسة الأمريكية تعمل على سياسة الملفات وعلى أن هناك نقاط يمكن تركها لروسيا، وهذا التقارب يعتبر محاولة لحلحلة الأزمة السورية التي لا تحل إلا بوجود روسي مع الحفاظ على المصالح الأمريكية.
ويتابع: الخطة الأمريكية تقتضي العمل من خلال المتخصصين في الولايات المتحدة من أجل دراسة الواقع الحالي في سوريا لمعرفة سبل التعامل مع الجميع على الأرض لتجهيز أرضية للحل السياسي المرتقب.
ويشير إلى أن قرار مجلس الأمن حول إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا لم يكن سيحدث بطريقة أفضل، حيث تعلم الولايات المتحدة الأمريكية أن النظام السوري يسيطر على معظم المناطق مع روسيا وكان لا بد من فتح باب للتفاوض عبر ملفات أخرى.
ما بعد اجتماع جنيف بين بايدن وبوتين
يرى الباحث الأمريكي أن اجتماع جنيف بين بايدن وبوتين سيتبعه الكثير من الخطوات للتنسيق على الأرض بعدة ملفات بين البلدين، وفكرة الخطوة بخطوة مقبولة جداً لدى الولايات المتحدة لإثبات الجدية وحسن النية.
ويقول: الاتصالات بين بايدن وبوتين مستمرة منها ما يعلن عنه ومنها ما يبقى غير معلن، حيث تعمل إدارة بايدن على ترك خطوط مفتوحة مع الجميع ليكون هناك فرصة للتوصل إلى حلول والاتصال الأخير بين الطرفين كان ضمن هذه السياسية، ولا ننسى أن بايدن حين تطلب الأمر توجيه انتقاد لبوتين فعل ذلك بأقسى طريقة.
وحول ما جرى الحديث عنه من تقديم أمريكا مناطق نفطية لروسيا من أجل تمرير قرار مجلس الامن الأخير يؤكد “عفيفي”: بأن ذلك غير صحيح، لأن القرار لم يكن بالصيغة التي أرادتها أمريكا،
لكنه يعتقد بأن روسيا تريد إثبات سيطرتها على سوريا وعلى النظام السوري، ومن جهتها أيقنت الولايات المتحدة ذلك، وأنه يمكن يكون الأمر بين الطرفين خارج سوريا أيضاً خصوصاً بأوروبا الشرقية للمقايضة عليها.
الحديث عن إسقاط الأسد
مؤخراً تحدث نائب وزير الخارجية الأمريكي بأن الولايات المتحدة ليس من ضمن خططها إسقاط نظام الأسد، وهو ما قرأه البعض بالتراجع الأمريكي عن السياسة السابقة.
يقول الدكتور “عفيفي”: حديث نائب وزير الخارجية الأمريكي حول عدم نية الولايات المتحدة إسقاط النظام السوري، أرى بأنه كان يقصد الطريقة العسكرية التي كان يريدها البعض،
بينما الولايات المتحدة تريد اليوم إجراء انتخابات تشريعية نزيهة من خلال الاتفاق على دستور جديدة ومرحلة انتقالية ترعاها الأمم المتحدة.
ويشير إلى أن الأسد ما يزال بتشبث بإيران وإيران تتشبث بالأسد لأن مصالحهم تلتقي، لكن إيران ممكن أن تبيع الأسد بأي لحظة إذا كان هناك اتفاق دولي في المسألة النووية.
ويؤكد أن العملية السياسية في سوريا ستتم حين يتم التأكد من الشركاء والنوايا، لا سيما أن الولايات المتحدة تعيد فلترة شركاؤها وخصوصاً من المعارضة السورية
بعد أن شاهدت أن جماعات مثل الإخوان المسلمين سيطروا على جزء كبير منها حتى وجدت أن أفضل المعارضة الذين أبلوا معها بلاءً حسن كانوا الأكراد.
ويوضح بأن الولايات المتحدة تعمل بخطى حثيثة لتحقيق أفضل نتيجة بالتنسيق مع روسيا لأن الولايات المتحدة تعمل على عدم الولوج أكثر بالشرق الأوسط وتخفيف تواجدها فيه.
الموقف الروسي
بدوره يرى الباحث السياسي الروسي دينيس كوركودينوف أنه بناءً على مضمون الاتفاقات الروسية الأمريكية في جنيف، يبدو أن موسكو خفضت مؤقتًا أعمالها النشطة في الملف السوري، مفضلةً إعطاء حكومة دمشق الحق في حل مشاكلها بشكل مستقل على الصعيدين المحلي والدولي.
ويقول: لا يوجد تقارب ملحوظ بين موقفي فلاديمير بوتين وبشار الأسد، حيث أن الكرملين ملزم بالتزاماته السياسية تجاه البيت الأبيض، والتي منعت بشدة فريق بايدن من إظهار “الحماسة المفرطة” في سوريا.
ويضيف: سوريا مهتمة للغاية الآن بالدعم الروسي بسبب التدهور السريع للوضع الاقتصادي نتيجة “قانون قيصر” الحالي ووباء Covid-19، حيث كانت البلاد في حالة من التدهور الكامل.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الصراع الأهلي المستمر يضع دمشق أمام الحاجة إلى اختيار استراتيجية أخرى للتنمية الداخلية، وقد أصبحت المساعدة الروسية مؤخرًا بالكاد محسوسة، على الرغم من التقارير الصاخبة من موسكو، والتي تثير الشكوك حول صدقها.
لهذا السبب، واجهت دمشق ضرورة البحث عن حلفاء استراتيجيين جدد، من بينهم إيران والصين في المقام الأول، بينما لا يكاد النظام السوري يحصل على أي شيء من التحالف مع موسكو،
بالنظر إلى أنه الآن أكثر ربحية أن يكون لروسيا صداقة مع الولايات المتحدة بدلاً من الاهتمام بسوريا.
تناقض روسي في سوريا
يرى الباحث الروسي “كوركودينوف” أن روسيا بالفعل تناقض نفسها في سوريا ولا سيما من خلال قرار مجلس الامن الأخير الخاص بالمساعدات الإنسانية.
ويقول: على الرغم من حقيقة أن واشنطن كانت تعتزم، من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فتح معبري إدخال إنساني إلى سوريا، عبر تركيا والعراق، فإن الممثلين الدائمين للولايات المتحدة وروسيا لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس جرينفيلد وفاسيلي نيبينزيا وصفا القرار الذي تم طرحه بفتح ممر واحد فقط “بالناجح”.
لكن هذا الرأي خاطئ، لأن موسكو، بعد أن ضغطت على المجتمع الدولي، أوصلت بالفعل أكثر من 5 ملايين سوري إلى شفا الانقراض الجسدي، حيث حرموا من الطعام والدواء بسبب إغلاق معبر اليعربية، بالإضافة إلى ذلك،
فإن سياسة روسيا تبدو غير منطقية تمامًا، والتي من ناحية، تلوم تركيا على احتلالها محافظة إدلب السورية، ومن ناحية أخرى،
قدمت لأنقرة تفويضًا مطلقًا غير محدود تقريبًا لتقديم المساعدة الإنسانية لسكان إدلب. مع العلم أن الأتراك يستخدمون المعابر الحدودية في المقام الأول لتزويد فصائلهم بالسلاح.
ويرى بأن تركيا تفرح الآن لإدراكها أنها تمكنت من خداع موسكو في سوريا، بينما اعترف الكرملين بالفعل، من خلال قرار للأمم المتحدة، بأن إدلب تخضع للاحتلال التركي، وكانت دمشق الطرف الخاسر الوحيد.
ويعتقد “كوركودينوف” أن هناك العديد من الآراء حول ما كان يمكن أن تحصل عليه موسكو من الولايات المتحدة في سوريا مقابل عدم تدخلها. في غضون ذلك، يبدو أن النسخة المتعلقة بحقول النفط هي الأكثر منطقية، حسب وصفه.
ويضيف: في البداية، كان الاهتمام الروسي بسوريا ناتجًا عن الاحتياطيات الهائلة من الهيدروكربونات، والتي بسببها قررت موسكو في عام 2015 الوقوف إلى جانب بشار الأسد.
بينما كل الكلام عن الشعب السوري الشقيق وعن الديون الدولية خدعة مصممة للرجل الروسي في الشارع. ولطالما كان الكرملين مهتمًا بالثروة السورية فقط.
ويؤكد أن روسيا والولايات المتحدة، اللتان كانت علاقاتهما متوترة بشأن عدد من القضايا، وصفتا التصويت بالإجماع لـ 15 عضوًا في مجلس الأمن الدولي بأنه لحظة مهمة في تاريخ العلاقات الدولية. وهذا يدل على أن مواقف البلدين كانت متشابهة للغاية.
ويتابع: بدأت موسكو تتملق للبيت الأبيض علنًا، على الرغم من العداء الذي أظهرته. وفي هذا الصدد، من المفارقات أن هذا الشكل من العلاقات يشبه الوضع مع العروس المتمنعة:
فكلما زاد رفضها وتمنعها زاد حبها وزادت رغبتها في أن تكون مع زوجها. هذا بالضبط ما تفعله موسكو الآن فيما يتعلق بواشنطن.
بشار الأسد أدرك الخطة
يعتقد الباحث الروسي بأن بشار الأسد بدأ تدريجياً يدرك أن تحالفه الإضافي مع روسيا لا طائل من ورائه. وموسكو الآن مشغولة للغاية بمشاكلها الخاصة. وعلاوة على ذلك، فإن الاتفاقات الروسية الأفريقية على المحك، والتي لن يخاطر الكرملين بها كثيراً من أجل دمشق.
ويقول: يعلق الرئيس السوري آمالًا كبيرة على طهران، ويرى فيها اللاعب الوحيد الجدير الذي من الواضح أنه لن يغازل البيت الأبيض، ولا يهتم نظام آية الله حقًا برأي أنقرة، وكذلك رأي موسكو فيما يتعلق.
بالأزمة السورية. بينما رئيس إيران الجديد، إبراهيم رئيسي، هو الآن في موجة من شعبيته ويظهر استعداده لتزويد دمشق بدعم قوي، وهو ما يسعد به حاشية بشار الأسد بشكل لا يصدق.
ويوضح أن اللجنة الدستورية في سوريا في الأصل مجرد هيئة سياسية عريضة، وكان هدفها الوحيد هو خلق مظهر لعملية التفاوض مع المعارضة.
بينما لا يُظهر بشار الأسد ولا فلاديمير بوتين ولا جو بايدن الكثير من الاهتمام الآن ببنية الدولة هذه، والتي بالكاد يمكن أن تساهم في تسوية الأزمة السورية. لذلك، على الأرجح في الأشهر الستة المقبلة أو العام المقبل، سيتم تحويل اللجنة الدستورية أو حلها بالكامل.
المصدر : وكالة ستيب الاخبارية
تعليقات
إرسال تعليق