حيدر آل مرجان، اسم أصبح معروفا بين العراقيين بعداحتجاجات تشرين. إنه واحد من الشباب الذين خرجوا إلى الشارع احتجاجاً على أوضاع البلد. سرعان ما انقلبت حياته رأسا على عقب، واضطر كغيره من آلاف العراقيين للهرب إلى أوروبا، عبر أكثر طرق الهجرة خطراً: طريق بيلاروسياَ.
طريق الهجرة الجديد الذي فتح فجأة أمام الكثير من الباحثين عن الأمان خارج بلدانهم، كان مخرجاً لحيدر آل مرجان أيضا للوصول إلى ألمانيا. في برلين، يستقر الشاب العراقي اليوم بعد رحلة هجرة لم تكن سهلة، لكنها كانت بالنسبة إليه الأمل الوحيد من أجل مستقبل جديد أفضل.
طريق الخلاص المفروش بالمخاطر
“من أصعب اللحظات التي واجهتنا ونحن في الغابة، عندما أنهينا ما نتوفر عليه من طعام وشراب، ولم نجد شيئا لنأكله لمدة يوم ونصف”. يقول حيدر آل مرجان، مؤكداً أن المجموعة كانت تضم أطفالا ونساء، كانوا الأكثر عرضة للمخاطر.
“كانت درجات الحرارة خلال الليل تنزل إلى الصفر، وكنا غير قادرين على إشعال النار من أجل التدفئة”. كانت المجموعة كغيرها تخاف من ملاحقة حرس الحدود من الجانبين، البولندي والبيلاروسي. لولا ما تبقى معهم من أنترنيت، ماكانت المجموعة لتتمكن من النجاة.
سلك حيدر الطريق الذي فتحته بيلاروسيا للمهاجرين، عمداً ولغرض انتقامي من الاتحاد الأوروبي. يقول حيدر “ذهبت إلى الإمارات، وبعدها إلى بيلاروسيا.
عن طريق الغابات وصلت إلى بولندا ومنها عبرنا بسيارة إلى ألمانيا”. في الغابة سمعت المجموعة التي رافقها حيدر أصوات حيوانات. كان على الجميع الحفاظ على الصمت ما أمكن، حتى في ظل وجود أطفال ورضع.
وعن سؤال مهاجر نيوز حول معرفته بمخاطر الطريق مسبقاً، رد حيدر “لم نكن ندري أن الأمر قد يكون بهذا السوء. من قدموا قبلنا دخلوا إلى الاتحاد الأوروبي بسهولة دون التعرض للضرب أو التعنيف أو الصد”.
وأكد أن ما مر به يبقى سهلا نسبياً، فرغم كل مصاعب الطريق، واضطراره للاختباء ونجاته من الموت برداً وجوعاً، إلا أنه لم يتعرض لعنف حرس الحدود من كلا الجانبين، وتمكن من الاختباء طول الرحلة.
باحث عن الأمان في “الفردوس الأوروبي”
كانت التأشيرة الممنوحة له من السلطات في مينسك، مفتاحه نحو أوروبا. وصل حيدر إلى برلين رفقة مجموعة تضم أسراً وشباب من مختلف الأعمار. كانت وسيلة دخولهم إلى ألمانيا سيارة شحن صغيرة مغلقة، نقلتهم من حدود بولندا إلى ألمانيا.
الناشط واليوتوبر العراقي، أتى إلى ألمانيا وعلى وجهه آثار معاناته في بلده، بعدما أصابته قنبلة دخانية خلال مشاركته في مظاهرات ما يعرف إعلامياً بـ “ثورة تشرين”.
ويقول عن إصابته “أصبت يوم 27 أكتوبر٬ تشرين الأول 2019، استقرت القنبلة في النصف الأيمن من وجهي، تسببت في تشوهه كامل وفي فقدان أسنان”.
،يضيف بأن من قام بالاعتداء عليه هو فصيل قوات الخرساني التابعة لإيران، وأنه بعد الحادث تم نقله إلى المستشفى في حالة غيبوبة، لم يستيقظ منها إلا بعد مرور خمسة أيام، على فاجعة تشوه وجهه.
يأمل الشاب العراقي الآن في إجراء عمليات تجميل، لكن بعد تحقيق الاستقرار في برلين والحصول على حق اللجوء والحماية . ويقول “أريد العمل والحصول على فرصة للعيش في أمان واستقرار، لا أريد أن أكون عبئاً على البلد المضيف، أريد أن أحقق لنفسي كل شيء”.
ويؤكد حيدر بأن وزارة الصحة العراقية منعت علاجه لأنه كان متظاهراً ضد السلطات. وقيل له “أنت كنت تتظاهر ضد الدولة، كيف تريد أن تعالجك وزارة الصحة التابعة لها”
محاولات تتكرر دون خوف أو كلل
كثير من المهاجرين الذين يصلون اليوم عبر بيلاروسيا إلى ألمانيا أو غيرها من البلدان الأوروبية، يكررون محاولات الوصول إلى “ملاذهم الآمن” غير آبهين بما تخفيه الطريق من مخاطر. ويعد حيدر واحداً من بين الذين لم يوفقوا في محاولات سابقة.
فقد حاول أكثر من مرة بطريقة مختلفة. يقول “عن طريق اليونان، حاولت سنة 2015 المرور بحراً ثلاث مرات وفشلت. كان الحرس يصدوننا بعنف، نجوت من الموت وقررت العودة إلى العراق”.
ويرى حيدر أن “أغلب الشباب العراقيين يريدون الهجرة، أسر بأكملها تبحث عن طريق للوصول إلى أوروبا، لأن الحياة في العراق مأساوية”.
ويشدد على أن القمع بلغ أوجه “فكل من عارض السلطات يتعرض للتهديد أو القتل”، مما يدفع العراقيين إلى المغادرة بكثافة.
استعادة حق مسلوب
حاول حيدر وهو في بلده أن يسلك طريقاً قانونياً، حسب قوله، من أجل القصاص ممن تسببوا في تشوه وجهه واعتدوا عليه وعلى غيره من المتظاهرين، لكن الدعوى قوبلت بالرفض التام.
بعد ذلك أصبح القصاص بالنسبة إليه أمراً صعباً للغاية، وانصب كل اهتمامه على إيجاد طريق للخروج من بلده نحو أوروبا. ويقول “في العراق، لا يرحمونك، يسلبونك كل الحقوق أو يقتلونك بدم بارد”، مؤكداً أنه بكلامه يقصد الطبقة السياسية الفاسدة والميليشيات المتحكمة في البلد.
اليوم يستعمل حيدر صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل التعريف بقصته ومعاناة أبناء بلده، ويقول “العراقيون لا يغادرون البلد بدون سبب، نحن نعاني كثيراً، ولا نهرب إلا بحثا عن الأمان”.
ماجدة بوعزة مهاجر نيوز
تعليقات
إرسال تعليق