تسبب الاجتياح الروسي لأوكرانيا في إعادة أجواء الحـ.ـرب إلى القارة الأوروبية في تهديد وصفه كثيرون بأنّ القارة العجوز لم ترَ مثله منذ الحرب العالمية الثانية، وطُرحَ إمكانية فرض حظر جوي كأحد الإجراءات التي يمكن اتّباعها لتكبيل قدرات روسيا العسكرية.
وطالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الاثنين، بتطبيق فرض منطقة حظر طيران للصواريخ والطائرات وطائرات الهليكوبتر فوق أجواء بلاده، وذلك بعد وابل من الهجـ.ـمات الجوية الروسية التي استهدفت البنى التحتية العسكرية الأوكرانية، والتي أصاب العديد منها مناطق سكنية وتسبب في ذعر ونزوح لمئات الآلاف من الأوكرانيين، وتزايد عدد القـ.ـتلى من المدنيين.
وانفعلت صحفية أوكرانية في مواجهة لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في مؤتمر صحفي الثلاثاء، قائلةً إنّ “الشعب الأوكراني يطلب بشدة من الغرب حماية سمائنا. نحن نطالب بمنطقة حظر طيران.”
ورغم كل ما سبق، يقول مراقبون إنه ليس هناك مؤشّر إلى وجود نية لدى الغرب للاستجابة إلى المطالب الأوكرانية، حيث يرى ساسة وخبراء غربيون أنّ تطبيق ذلك يعني “إعلان حرب” ضد روسيا، والتي واستبقت بالفعل أي تحرّك محتمل لفرض حظر الطيران، واضعةً قوات الردع النووي “في حالة تأهب قصوى”، في ظل ما اعتبرته موسكو تصريحات “عدوانية” من دول حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
ما حـ.ـظر الطيران؟
يعتبر فرض منطقة حظر طيران أن هناك منطقة في المجال الجوي لدولة لا يُسمح للطائرات بالتحليق فيها أو عبورها سواء لأغراض معينة أثناء السلم أو لأغراض عسكرية وأمنية أثناء الحـ.ـروب والنزاعات.
جرى بالفعل حالياً فرض حظر الطيران في حالات سلمية مثل فرض السلطات السعودية حظر الطيران فوق مكة المكرمة احتراماً للأماكن المقدّسة وعدم إزعاج من فيها من حجّاج ومعتمرين، وفي بريطانيا يستخدم لتأمين المقرات الملكية.
إذن يشمل الهدف من إعلان منطقة حظر الطيران إلى حماية المناطق الحساسة، ويكون أحياناً استخدامه مؤقتاً لتأمين الأحداث الرياضية والتجمعات الكبيرة، غير أنّ فرضه في حالات الحـ.ـرب والسياق العسكري يكون أكثر تعقيداً، إذ يستلزم قوة عسكرية رادعة وقادرة على فرضه وتطبيقه بالقوة في حالة اختراقه.
وسبق أن جرى اللجوء إلى حظر الطيران عسكرياً في عدة حالات، فبعد حرب الخليج الأولى عام 1991، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها في التحالف الدولي منطقتين لحظر الطيران فوق العراق لمنع الهجـ.ـمات ضد بعض الجماعات العرقية والدينية، وجرى ذلك دون دعم من الأمم المتحدة.
وفي العام التالي خلال حرب البوسنة، أصدرت الأمم المتحدة قراراً يحظر الرحلات الجوية العسكرية الصربية في المجال الجوي البوسني، وهو ما طبّقه فعلياً حلف شمال الأطلسي “ناتو”. وفي ليبيا جرى تطبيق حظر الطيران العسكري مرتين، مع بداية التسعينيات حين اتُّهم مواطنان ليبيان بالمشاركة في تفجير طائرة أمريكية في ما عرف بقضية “لوكربي”، وفي عام 2011 عند موافقة مجلس الأمن الدولي على فرضه كجزء من التدخل العسكري ضد قوات القذافي.
“إعلان حـ.ـرب”
قوبلَت المناشدات الأوكرانية بفرض حظر الطيران الروسي فوق أجوائها بفتور غربي واسع، إذ استبعده البيت الأبيض الاثنين، على لسان المتحدثة باسمه جين بساكي، والتي قالت إنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن كان “واضحاً جداً في أنه لا ينوي إرسال قوات أمريكية لخوض حرب مع روسيا، وأعتقد أنه من المهم أن نلاحظ هنا أن هذا هو أساساً ما ستكون هذه خطوة نحوه، لأن منطقة حظر الطيران تتطلب التنفيذ، وسيتطلب الأمر نشر الجيش الأمريكي لفرضه، وهو ما سيعني صراعاً مباشراً محتملاً”.
وعلى نحو مماثل، رفض نائب رئيس الوزراء البريطاني دومينيك راب الثلاثاء، تلك الدعوات قائلاً إن هذا القرار يخاطر بتوسيع رقعة الحـ.ـرب عبر وضع التحالف في صراع مباشر مع القوات الروسية. موضحاً أنّ بلاده “ستلجأ بدلاً من ذلك إلى ممارسة الضغوط بالشراكة مع دول أخرى، على الرئيس الروسي لتغيير مساره، من خلال تشديد العقـ.ـوبات والتحقيق في جـ.ـرائم الحـ.ـرب خلال الصراع”.
وأردف راب “لن نفرض (منطقة حظر طيران) لأن ذلك سيضعنا في موقف سيتعين علينا فيه إسقاط الطائرات الروسية”.
ويشير مراقبون إلى أنّ فرض حظر طيران في الأجواء الأوكرانية قد ينقل الصراع إلى مرحلة من التصعيد غير مسبوقة، لا يريد أي أحد أن تصبح أدواتها الأسلحة النووية الفتاكة. فحسب تقرير لموقع “فوكس” الأمريكي، فإنّ هذه الفكرة “كارثيـ.ـة” لأنّها تعني “إعلان حـ.ـرب من جانب أمريكا على روسيا”، وسيكون “أول نزاع عسكري بين بلدين يتحكمان معاً بنحو 90% من الأسلحة النووية في العالم”.
تعليقات
إرسال تعليق